أفريقيا التي رأيت (2)
بيان السبب في ترك لباس العرب
توالى نصح بعض الرفاق لي بترك اللباس الأوروبي العالمي ، والحرص على لبس الثوب لأنه يحكي هوية المرء ، وأوافقهم الرأي تماما ، لكن من رافقنا في أسفارنا لاحظ المنع والتعطيل من الأمن أو موظفي الدوائر الحكومية والتاريخية ، وعملنا يستلزم زيارة تلك الأماكن والإنجاز السريع فيها ، وحمل الكاميرات مع فريق مكون من عدة أفراد يلفت النظر ، فكيف إذا كان بزي عربي ، وبلا تصريح تصوثر أحيانا لصعوبته أو استحالته لأننا ندخل أماكن ممنوعة قانونيا ، مسموحة تاريخيا .
لكن هنا مع برنامج د. عبد الرحمن السميط - رحمه الله - اختلف الأمر لأن غالب توثيقنا في مبان ومراكز تابعة لجمعية العون المباشر ، ولعدم استنكار الزي العربي في بعض البلاد الإفريقية ، لكنني استبدلت الطاقية العمانية بالقترة والعقال - كما ترون - !!
رفيق سفر قليل ابتسامة وكلام ، لكنه مجد على الدوام
فريق العمل بعضه من مصر ، وبعضه من البلاد التي من المقرر زيارتها ، لكن مخرج العمل هو الأخ العزيز ألطينبيك ، واسمه تركي الأصل ، أما ألطن : فتعني الذهب ، والبيك : السيد ، وهو ذهب كاسمه ، وصديقي ألطينبيك أو سيد ذهب قليل الكلام ، نادر الابتسامة ، وأما الضحك فلم أره يضحك أبدا ، لكني فوجئت به يضحك والتقطت له صورة في ذلك فقلت له : من صاحب السعيد الذي فتح مقفلك ، وحرك معطلك ؟!! فقال : زوجتي !!
وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " خيركم خيركم لأهله " .
لكنه والحق يقال من أفضل من عملت معهم في حياتي بجده واجتهاده وإنجازه العمل ولو على حساب راحته - بارك الله فيه - .
قل الغداء ولا تقل الفطور لطعام أول النهار
اخترنا كرها لا طوعا السفر على الطيران الأثيوبي لندرة الرحلات إلى شرق إفريقيا ، وهو طيران حسن نسبيا لولا بخل فيه ، و " البخل شر داء " ، فقد كانت وجبة الإفطار - وتسمية طعام أول النهار بالغداء أولى لأنه من الغدو وهو أول النهار ، وأما الفطور - بفتح الفاء - فهو طعام الصائم سواء كان صوما شرعيا أو طبيا ، وقد نبه على هذا تقي الدين الهلالي في " تقويم اللسانين " ، وقد يكون في اللغة ما يسعف القول بالجواز .
ونرجع إلى بخل الطائرة الأثيوبية فقد كانت وجبة الفطور أو الغداء - على الصواب - عصيرا تختاره ، وبسكويت ليس له من اسمه نصيب تجبر عليه ، فأكلته وأنا جائع جدا ، ومنعني الشرع والذوق من غداء جاري النائم !!!
برفقة العاملات الأثيوبيات كانت الرحلة
رافقنا في رحلتنا - على غير ميعاد طبعاً - عاملات أثيوبيات امتلأت بهن الطائرة ، وقد جرى حديث بيني وبين مسافر لبناني حول جرائم الأثيوبيات ، واتفقنا على فظاعة ما قام به بعضهن ، وأنهن بالنسبة لغيرهن من الجنسيات الأخرى يثرن الاستغراب في تساهلن في القتل ، لكن لا ينبغي التعميم عليهن ، ففيهن صالحات عاقلات أمينات ، ولعل في بعض ما جرى من جرائم سبب ، وهو بلا شك لا يبيح في أي حال من الأحوال استباحة الدم والقتل .
والمراد أن الطائرة قد امتلأت بهن في توكيد واضح لاستغناء كثير من المخدومين عن بعضهن ، وقد رأيت في مطار أديس أبابا عاملة أثيوبية سألتها عن شيء باللغة الإنجليزية ( المنكسرة !! ) فأجابتني باللغة العربية ، فسألتها : أين تعلمت العربية ؟ قالت : عملت خمس سنين في بيت أبي فهد وهو كويتي يسكن منطقة الفردوس ولا تعرف اسمه ، لكنها تبلغك السلام يا أبا فهد فرد عليها السلام ، وهذه صورتها .
ملاوي أرض خضراء في القارة السمراء
وصلنا أرض ملاوي في اروع فصول السنة بعد انتهاء نزول المطر ، وقد ازدانت الأرض بفستانها الأخضر ، فصارت بهجة للناظرين ، ومتعة للسائحين .
وملاوي بلد استقل عن بريطانيا سنة 1962 م ، ويتكلم أهله إضافة إلى لغتهم الإنجليزية بطلاقة ، وقد حكمها حاكمها السابق ثلاثين سنة ، وأغلق البلد عن العالم إلا جنوب إفريقيا وإسرائيل .
لكنها اليوم منفتحة على العالم ويرتادها السواح لاسيما من شرق آسيا .
والبلد تكثر فيه الجريمة والرشوة العلنية بشكل مزعج ، وقد تعطلت أمورنا في المطار ، فكنت أرسل الدولار يتبعه الدولار ليلين القلوب ، ويزيل الكروب !!
وقد كان في استقبالنا طيب النفس والقلب الأخ محمد منصور مدير مكتب جمعية العون المباشر في ملاوي ، فذلل لنا - بفضل الله - كل صعب .
وجمعية العون المباشر لها سمعة حسنة وتقدير لحظناه في أول يوم .
وغدا - بإذن الله - تبدأ جولتنا في ملاوي ، والوقوف على بعض آثار عبد الرحمن الفاتح - السميط رحمه الله - . لاتحرمونا من طيب دعائكم .